الكورونا في السودان: اعتبارات خاصة

د. ريم جعفر

د. ريم جعفر
نائب اخصائي طب المجتمع وباحثة في مجال السياسات الصحية والعدالة الاجتماعية والنوعية
المزيد عن الكاتبة

حتى لحظة كتابة هذا المقال، سُجلت أكثر من ٣,٧ مليون إصابة بفيروس الكورونا المستجد، و٢٦١ ألف حالة وفاة حول العالم، والأعداد في تصاعد مستمر.

الحالة رقم ٣١: عندما يكون الجهل مصيبة
الى وقت قريب كانت حكومة كوريا الجنوبية قادرة على رصد وفحص مرضى فيروس كورونا والمخالطين لهم بصورة منتظمة، الى أن ظهرت الحالة رقم ٣١، والتي قبل ان يتم تشخيصها سافرت الى عدد من الأماكن المزدحمة، ثم تعرضت لحادث حركة بسيط أدخلت بسببه للمستشفى حيث حضرت عدد من شعائر الصلاة في دار العبادة وتناولت وجبة الغداء مع صديقتها في فندق في المدينة.
خلال ١٠ أيام فقط من إصابة الحالة ٣١ بالفيروس، طارت عدد الحالات في كوريا الجنوبية من ٣٠ الى أكثر من ٢٣٠٠ حالة، مئات منهم من رواد دار العبادة الذي كانت تزوره السيدة إياها.
ماذا نستفيد من هذه القصة الحزينة؟ نستفيد انه يمكن لشخص واحد فقط ان يتسبب بشكل مباشر في استفحال الوباء في دولة كاملة، او ما يسمونهم في علم الوبائيات بالناشرين الخارقين او super spreaders؛ أشخاص مصابون ويقومون بنشر الفيروس على مستوى واسع جدا – عادة دون علمهم – من خلال حركتهم الكثيرة واختلاطهم اللصيق بأناس كثر في أماكن التجمعات مثل التواجد في مسجد مزدحم بالمصلين، او مظاهرة ممتلئة بالحمقى، او حتى في لمة الجمعة في بيت العائلة.
حسب دراسات رصد فيروس كورونا المستجد فان كل شخص مصاب – حتى ان لم تظهر عليه الأعراض – يعدي على الأقل شخصين الى ثلاثة أشخاص، ويرتفع هذا العدد كلما زاد نسبة الاختلاط.

ماذا عن السودان؟
ليس سراً أن النظام الصحي السوداني في حالة كارثية. السودان لديه واحد من أدنى نسب الكوادر الصحية مقارنة بعدد السكان، وعدد أسرة المستشفيات العادية وأسرة العناية المركزة لا تكفي حتى لتغطية الحوجة العادية اليومية، ناهيك عن الوضع المنهار في الولايات المختلفة وبالأخص تلك المتأثرة بالحروب والنزاعات.
هناك نقص حاد في الأدوية الأساسية والمعدات عموما. علاوة على ذلك، فإن غالبية المعدات اللازمة لتشخيص مرض الكورونا وحماية أولئك الذين هم في الخطوط الأمامية من العدوى هي مواد مكلفة ولا يمكن إعادة استخدامها، وغير متاحة في كثير من الأحيان. وبما ان الوباء أصاب جميع دول العالم في نفس الوقت، فهذا يعني أن الدول الأخرى اما غير قادرة أو غير راغبة في التبرع أو حتى بيع هذه الضروريات إلى دول أخرى، لأن الجميع بحاجة اليها.
هناك اعتبارات أخرى تتعلق بطبيعة السودان نفسه من ناحية الازدحام والعادات الاجتماعية، حيث يختلط عدد كبير من الناس بصورة مستمرة في المواصلات والأسواق والمؤسسات والمنازل والمناسبات التي لا تنتهي، وهذه وصفة لكارثة عند محاولة احتواء انتشار العدوى. هناك أيضًا الكثير من الحركة عبر البلاد من قبل المهاجرين الغير موثقين والنازحين الذين ليس لديهم أي نوع من الحماية، وفي معظم الأحيان لا يستطيعون الحصول على الفحص او العلاج.
وبالنسبة لبلد يعاني من أثر 30 عامًا من الفساد والدمار الممنهج، فإن الوضع الاقتصادي في حالة انهيار وفوضى، وكما رأينا في الدول التي سبقتنا ستكون التداعيات الاقتصادية والإنسانية لهذا المرض شديدة لا هوادة فيها. ولكن بعكس الدول الأخرى، لا تتوفر لدينا شبكة أمان حكومية تلتزم بالإعاشة الكاملة والعلاج المجاني والمتاح للجميع. هناك شريحة ضخمة تعتمد على العمل اليومي لإيجاد ما يسد رمقهم. أيضا، لا يمكن الإعتماد على المساعدة الخارجية لأنه، كما قلنا، كل الدول الأخرى تعاني من نفس الأزمة التي نعيشها نحن.

راجت الكثير من الشائعات حول علاجات طبيعية لفيروس كورونا، مثل الشاي والمانجو

التشخيص، العلاج واللقاح: هل المنقا هي الحل؟
اليوم، هناك ٨٥٢ حالة موثقة للكورونا في السودان في جميع أنحاء السودان، منها ٤٥ حالة وفاة. قد يبدو للبعض اننا محظوظون نسبيا، ولكن الحقيقة المرة هي ان هذا العدد البسيط هو ناتج عن عدم إيجاد وفحص جميع الحالات، وليس لأنهم غير موجودين. بل ان المتابع للأخبار يرى كيف تضاعفت هذه الحالات بطريقة جعلت السودان في أعلى المراتب في العالم من حيث الزيادة اليومية في حالات الكورونا.
ربما يثق الكثير من السودانيين في البدائل الطبيعية، ولكن للأسف من غير الوارد ان عصائر “ملك المنقا” أو أكواب الشاي هي التي ستقضي على فيروس قاتل اجتاح العالم في بضعة أسابيع، وقتل وما زال يقتل بشراسة مئات الآلاف من الناس، وتسبب في انهيار أقوى الأنظمة الصحية والاقتصادية في تاريخ العالم.
لا يوجد الى الان علاج معروف وموثق لمرض الكورونا. هناك تجارب بالعلاج بعقارات ووسائل مختلفة ولكن النتائج ما زالت أولية وغير متفق عليها، كما يجري حاليًا تطوير عدد من اللقاحات، ولكن لن يكون أي منها جاهزًا قبل الثمانية عشر شهرًا القادمة. 
الحل الوحيد الذي أظهر نجاحا في تخفيف انتشار المرض وبالتالي تقليل أعداد المرضى المنهالين على المستشفيات هو العزل الاجتماعي ومنع الإختلاط. ابتداء من تجربة الصين، مرورا بدول اسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية ونيوزيلندا، نرى الأثر المباشر للإلتزام – وعدم الإلتزام – بالعزل الإجتماعي. وفي هذه المرحلة المبكرة والمربكة للجائحة، يمكننا فقط محاولة تقليل عدد الحالات التي تحتاج الرعاية الصحية من أجل المحافظة على النظام الصحي – المتداعي أصلاً. وكلما زاد عدم الإلتزام زادت عدد الحالات وزادت الحوجة لتمديد فترات العزل الإجتماعي، وبالتالي زادت معاناة المتأثرين بانقطاع رزقهم.

كوادر طبية في تخريج بالخرطوم عام 2019

المسؤولية الجماعية والطريق الى الأمام:
لقد اتضح من التجربة الدولية أن مكافحة هذا الفيروس مسؤولية جماعية .لا يمكن لأي حكومة أو مؤسسة محاربتها بمفردها. لن يتوفر أي علاج أو لقاح على نطاق واسع في المستقبل القريب لإنقاذنا من هذا المرض الذي يقتل الانسان اما غرقا في السوائل التي تملأ رئتيه ليموت اختناقا بكل البؤس والألم الذي في العالم، او بذبحة قلبية تنهي حياته قبل ان يكمل كتابة وصيته. اذا كان هناك شخص واحد مهمل، سيواجه الجميع عواقب هذا الإهمال. يقع على عاتق كل واحد منا مسؤولية التأكد من احتواء هذا الفيروس قبل دخوله إلى منازلنا ومنازل أحبائنا قبل فوات الأوان، وإلا فمن الأسهل والأسرع ان يختار كل شخص منا أي من عائلته او جيرانه سيموت بسبب عناده، ويرمي به في البحر.
من المحبط ان نرى شعبا قاتل من أجل حريته وكرامته وقاد ثورة يفترض انها ثورة وعي، ان نرى كمية العناد والتكذيب والإهمال في التعامل مع هذا الوباء الذي اجتاح العالم ويتسلل الان بيننا. السودان ليس بمعزل عن العالم لكي يتجاهله هذا الفيروس، والشخص السوداني ليس محصنا ضد المرض كما يعتقد. نحن لا تنقصنا المزيد من المصائب والفقد والحزن.
في هذا الوقت – وأكثر من أي وقت مضى – يجب على السودانيين أن يتحدوا في وجه هذه الجائحة مثلما اتحدوا في وجه الطاغية، من أجل العبور بالبلاد والعباد الى فسحات الاستقرار والرفاء والأمان.

د. ريم جعفر
نائب أخصائي طب المجتمع والسياسات الصحية
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، دبي

المراجع:

Anderson R.M., Heesterbeek H, Klinkenberg D, and Hollingsworth (2020).

Barron, L. (2020 March 13)

Day, M, (2020).

Ferguson, N. (2020, March16).

Worldometers (2020).

South Korea’s Foreign Minister Explains How the Country Contained COVID-19.